الاثنين، 5 أبريل 2010

فستاني ...

تسير وسط الزحام تتكئ على عكازها ليحركها الهواء يمينًا ويسارًا فيختل توازنها ثم تعتدل وتكمل طريقها. لا تتذكر سبب خروجها من المنزل وإلى أين تتجه؟ وهي لم تترك المنزل منذ زمن، ولكنها اليوم، هذا اليوم تحديدًا رغم تقلب الجو تركت المنزل ونزلت إلى الشارع.

وهي في طريقها لمحت فستانًا أحمرًا، فستانًا قصيرًا جذابًا، يكشف عن مفاتن الجسم، يتهدل على التمثال بانسيابية وكأنه شلال مياه عذبة يجمل الصخر، يخفي بين طياته ألوانًا فيزداد عمقًا حينًا ويزداد شفافية أحيانًا... كم هو فاتن وساحر ... إنه ليس مجرد فستان بل هو حلم ....

وقفت العجوز فجأة أمامه، وتوقفت الحياة من حولها. وأخذت تتأمل الفستان وكأنها أمام تحفة تتفحصها ... وتحولت عيناها إلى عيني طفلة حالمة ... نظرت إليه كأنه سحرها، كأنه أسرها دون أن تعرف كيف ... ووقفت أمامه، وشعرت أن عمرًا قد مر وليست مجرد لحظات ... وبالرغم من أنه لا يناسب سنها، وقفت أمامه، كأنها شابة تتخيل نفسها ترتدي هذا الفستان ترتديه وتمرح به ...

مر زمن وهي أمامه لا تحرك ساكنًا ولا تفكر في أي شيء في الوجود سوى ذلك الفستان ...

ثم رفعت قدمها عن الأرض قبل أن تقدم العكاز كما هو المعتاد وكأنها نسيت أنها تتكئ على شيء ما لتتحرك وتحركت بخفة لم تعرفها وسحبت بعدها العكاز وكأنه حقيبة يدها تحركها في مرح ومضت متحمسة لشراء هذا الفستان ...

ودفعت باب المتجر ودخلت وما زال نظرها على الفستان ...

أقبلت منها سيدة وأخذت بيدها فتركتها مسرعة وكأنها تقول لا تفسدي هذه اللحظة ... واتجهت نحو التمثال ... لكن العاملة أيقظتها قائلة "قد تجدين هنا ما يناسبك" وأشارات إلى الملابس التي تعودت أن ترتديها منذ وقت طويل، ورمقتها بنظرة جعلتها تشعر أن عمرها مئة عام، لكنها لم تعرها أي اهتمام ولم تحيد بنظرها عن الفستان وأشارت إليه قائلة "بل أريد هذا الفستان" ... وساد الصمت لحظة ونظرت إليها العاملة في سخرية وتساؤل "مقاس كام؟" وأخبرتها بكل ثقة "مقاسي" ... وبالطبع رمقتها العاملة بنظرة كلها سخرية وإن حاولت طيها بالاحترام وقالت "لحظة واحدة" ... ولكن هذه اللحظة كانت بالنسبة لها عمرًا بأكمله. ظلت تنظر إلى الفستان وتتذكر شبابها وذكرياتها الجميلة ومرت أيام أمام عينيها تتذكرت فيها فستانيها الجميلة التي كانت تمتلكها وتذكرت قصة كل فستان على حدة وأخذت تبتسم وامتلأت عيناها بالدموع ....

وتنبهت أخيرًا على صوت العاملة "فلتجربي هذا" وأعطتها الفستان فأمسكته بكلتا يديها كأنها قد عثرت على ما كانت تبحث عنه ووقع العكاز فالتقطته العاملة وأعطته لها فلم تنتبه لهما واتجهت نحو مكان تجربة الملابس ودخلت ... دخلت إلى آلة للزمن وتحولت تمامًا إلى امرأة جميلة جذابة ونظرت إلى المرآة فلم تلمح شعرها الأبيض أو التجاعيد التي احتلت وجهها أو إلى جسمها الذي غلبه الزمن ... ولكنها نظرت إلى الفستان وإلى تلك المرأة التي كانت تعيش أجمل حياة ... امرأة تغمرها الحيوية ... ولا تدري كم ظلت في هذا المكان ولكنها كانت تعيش فيه كأنها تعيش حياة أخرى ومرت اللحظات ... واستيقظت على صوت العاملة "أهو مناسب سيدتي"، نظرت إلى المرآة "وابتسمت بل أكثر من مناسب فهو لي" وبدلت ملابسها وخرجت وكأنها وُلدت من جديد وفي يدها الفستان كأنه كنز قد حصلت عليه وقالت لها "سأقتنيه". دفعت ثمنه وتوجهت نحو الباب فنادتها العاملة "العكاز .. لقد نسيتي العكاز" فاستدرات ونظرت إليها كأنها تنظر إلى حالها من قبل "فلتعطيه لمن هي بحاجة إليه، فلم أعد بحاجة لمثل هذه الأشياء"، ثم توجهت مسرعة نحو الباب كأنها تريد الهروب من تلك المرأة التي دخلت توّا ... تريداللحاق بما فاتها من الحياة كأن الحياة تمتد أمامها كما كانت منذ سنوات مضت ....

أحست أنها تطير لم تشعر بهذا الجسد الذي يعيقها عن الجري والقفز لكنها شعرت كأنها تحلق في السماء ... وأحست بالهواء يداعب شعرها الفضي الذي يتوج رأسها والذكريات ترفرف حولها وكأنها فراشات تلعب معها ونظرت إلى الناس من حولها كأنها في حفل راقص مستمتعة رغم الزحام ...

حينها عرفت إلى أين تتجه وهي تمتلك الفستان ... فالفستان ليس مجرد قطعة قماش شكلتها الخيوط رداءً جميلاً ... لكنه إحساس غمرها فملأ حياتها ولو للحظة ... نسيت معه أنها عجوز وأدركت أنها امرأة ما زالت حية.